هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الإمام الحسن وتحصين الأمة، العلامة الحبيب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عهد
عضو جديد
عضو جديد



عدد الرسائل : 1
تاريخ التسجيل : 02/02/2009

الإمام الحسن وتحصين الأمة، العلامة الحبيب Empty
مُساهمةموضوع: الإمام الحسن وتحصين الأمة، العلامة الحبيب   الإمام الحسن وتحصين الأمة، العلامة الحبيب Emptyالإثنين فبراير 02, 2009 8:06 pm

الإمام الحسن وتحصين الأمة، العلامة الحبيب Amc96589

حديث الجمعة، مسجد الإمام الرضا (ع) -3/ صفر /1430هـ

قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴿70﴾ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴿71﴾ وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴿72﴾ سورة الإسراء.

ما أن دخل رسول الله (ص) إلى مكة يوم الفتح حتى أطلق مقولته المشهورة ( مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِن‏).

وقد قُرأت الجملة الأخيرة من قبل البعض على أنها نوع تكريم لأبي سفيان خصوصا وأنها جاءت في سياق طمأنة المقاتلين من الكفار على أمنهم الشخصي، ومن المؤكد أن الاعتزال وإلقاء السلاح لا يعد مزية لفاعله وإن أدخله فعله هذا في عداد الآمنين، وهذا الأمر وإن كان ينطبق أيضا على الداخل للبيت الأموي الذي عرف صاحبه بكفره ومكره وعدائه الشديد للدعوة المحمدية إلا أن إفراده أبان للناظرين أن له مكانة ما دفعت بصاحب الرسالة أن يخصه دون غيره اتقاء أو رجاء.

ورأى فريق آخر أن ذلك لا يدل على شيء من ذلك البتة وإنما أراد رسول الله (ص) من مقولته أن ﴿ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ كي يكون معلوما، فبيت الله الذي يمثل قيم السماء يظلل داخليه بالأمن والطمأنينة والسكينة.

قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴿96﴾ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴿97﴾سورة آل عمران.

ودار أبي سفيان بما تحمل من لؤم وخبث وحقد وضغينة وخساسة، وما تمثل من مكر وكفر وعداوة هي الأخرى مشمولة بمن فيها ومن يدخلها بالأمن والأمان (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِن‏). ولكن على الداخل إليها أن يتحمل أعباء انحيازه لهذه الدار.

وطويت هذه الصفحة وتمر الأيام والسنون وهي حبلى بنتاج يدركه البصير العارف... فمحمد (ص) الذي أعطى الأمان يوم افتتح مكة، وعفا حين اقتدر عن رؤوس الحربة فيها، يواجه مرة أخرى! هي هي الحرب كر وفر، والقوم أبناء القوم وإن اختلف المظهر فالمخبر هو هو واحد يتكرر فيتمظهر بما يحقق المصلحة.

قال تعالى: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴿14﴾ سورة الحجرات.


بين معاوية والحسن (ع):

استشهد أمير المؤمنين (ع) وبويع الإمام الحسن (ع) بالخلافة بعد أبيه فأصبح طبقا لما تعارف القوم عليه الخليفة الراشدي الخامس، وكان عليه أول الأمر معالجة ملف التمرد الذي قاده والي الشام "معاوية بن أبي سفيان" أبان خلافة الإمام علي (ع)، والذي تمدد فأخذ مصر الكنانة، والآن وبعد أن استشهد الإمام علي (ع) يطمح لأن يستولي على جميع أجزاء الدولة الإسلامية... فكان ما كان من مواجهة انتهت بصلح نقضه معاوية بعد توقيعه، ولإحكام السيطرة عمل على تحويل الدولة الإسلامية من نمط الخلافة الراشدة إلى ملك يتوارثه الأبناء عن الآباء... وهكذا كانت واستمرت إلى أن انتهت وبادت.


وهكذا خطط وفعل:

في مقارنة لطيفة بين علي (ع) ومعاوية ورد عن أمير المؤمنين (ع) قوله: (وَاللَّهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي وَلَكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ وَلَوْ لا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ وَلَكِنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ وَكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهِ مَا أُسْتَغْفَلُ بِالْمَكِيدَةِ وَلا أُسْتَغْمَزُ بِالشَّدِيدَةِ). [1]

لم يكن من السهل على معاوية إعلان تمرده لو لم يخطط ويعمل على إحداث فجوات في جسم الأمة الإسلامية تمكن من خلالها التمرد على الخليفة الشرعي واقتطاع ولايتين عن مركز الخلافة، وقد تركز تأثير هذه الفجوات في تفعيل البعد المادي عطاء وحرمانا بدلا من البعد المعنوي والديني، والتجهيل المرتكز على التضليل الإعلامي بدلا من التعليم الديني المستخلص من وحي السماء وتعاليم السنة النبوية الشريفة، والتعليم الحياتي المستجيب لحاجات الإنسان في زمانه وتطلعاته وطموحاته.

وقد أدت تلك الفجوات إلى إضعاف حصانة الأمة فأصبحت الأفكار والثقافات الغريبة تنفذ إليها بمطية الوضاعين والقصاصين وعلماء السوء الطامحين للمال والمناصب والمصالح الشخصية.

أمام هذا الوضع المتردي جاء دور الإمام الحسن (ع) فعمل في الأشهر القليلة التي بويع فيها خليفة للمسلمين على إخماد نار الفتنة والقضاء على التمرد ولكن الفجوات والمنافذ التي أحدثها معاوية في جسم الأمة كبيرة وكثيرة مما اضطرت الإمام (ع) لعقد صلح أو هدنة أفضت إلى تنحي الإمام (ع) عن السلطة السياسية والتوجه نحو الأمة لتقويم مسيرتها وتحصينها من الأخطار والانحرافات.

ويمكن لنا تلخيص معركة التحصين التي خاضها الإمام الحسن مع الأمويين - والتي تمثل جانبا واحدا من معركة النهوض بالأمة- بنقاط أربع:


أولا: مرجعية الأمة

تقديرا للدور الذي ينتظره فقد رعته السماء في كل شيء فما أن أطل بطلعته البهية على هذه الدنيا حتى تدخلت السماء في تسميته، فأبواه لا يسبقان جده رسول الله (ص) وهو ينتظر الاسم من العلي الأعلى. ومن السماء سمي حسنا.[2]

وفي مناسبات عدة ولبيان الموقع والمكانة والدور المعد للإمام الحسن وأخيه صرح النبي غير مرة بسيادته وأخيه على أهل الجنة ولازم ذلك سيادتهما على الجميع بمن فيهم الرسل والأنبياء والأوصياء، وإمامته وأخيه وحبه لهما بل وحبه لمن يحبهما.

روى ابن عباس عن النبي (ص) قوله في حديث طويل: (أَمَّا الْحَسَنُ (ع) فَإِنَّهُ ابْنِي وَوَلَدِي وَمِنِّي وَقُرَّةُ عَيْنِي وَضِيَاءُ قَلْبِي وَثَمَرَةُ فُؤَادِي وَهُوَ سَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَحُجَّةُ اللَّهِ عَلَى الأُمَّةِ أَمْرُهُ أَمْرِي وَقَوْلُهُ قَوْلِي مَنْ تَبِعَهُ فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَاهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَإِنِّي لَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ تَذَكَّرْتُ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِنَ الذُّلِّ بَعْدِي فَلا يَزَالُ الأَمْرُ بِهِ حَتَّى يُقْتَلَ بِالسَّمِّ ظُلْماً وَعُدْوَاناً فَعِنْدَ ذَلِكَ تَبْكِي الْمَلَائِكَةُ وَالسَّبْعُ الشِّدَادُ لِمَوْتِهِ وَيَبْكِيهِ كُلُّ شَيْ‏ءٍ حَتَّى الطَّيْرُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ فَمَنْ بَكَاهُ لَمْ تَعْمَ عَيْنُهُ يَوْمَ تَعْمَى الْعُيُونُ وَمَنْ حَزِنَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْزَنْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَحْزَنُ الْقُلُوبُ وَمَنْ زَارَهُ فِي بَقِيعِهِ ثَبَتَتْ قَدَمُهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَام‏).[3]

1. وفي محاولة لإضعاف دور هذه الشخصية العظيمة والتقليل من شأنها حاولوا النيل من هذه المكانة حتى وصل بهم الأمر أن يروجوا كذبا وزورا على لسان أبيه أنه خطب في مسجد الكوفة واصفا ابنه بكثرة الزواج والطلاق وطالبا من المسلمين عدم تزويجه.

ولعل الأشد من ذلك تأثر معسكر الإمام الحسن بالشائعات التي تبث من جهة العدو من أن بين الإمام ومعاوية مفاوضات سرية حول تسلم الأخير الأمر كله مما دفع ببعض المنخدعين والمندسين والمتمصلحين لإحداث فوضى أدت إلى إلحاق الأذى الجسدي وتبعه محاولة اغتيال الإمام (ع).

2. بعد الصلح حدثت اهتزازات ارتجت لها نفوس بعض أصحابه (ع) فخاطبوه بعبارات قاسية كقولهم ( السلام عليك يا مذل المؤمنين) والتي يظهر منها التشويش في الرؤية نحو القيادة وضعف مكانتها في نفوسهم.

وقد تعامل الإمام (ع) مع هذا الأمر باعتباره المرجعية الساهرة على مصالح الأمة في كافة المجالات، وفي هذا المورد أعني أزمة القيادة السياسة عالج الإمام اشكالياتها وتداعياتها بالترفع عن الذات والأنا واعتماد مبدأ الخير والمصلحة للأمة بشكل عام ولشيعته ومواليه بشكل خاص.

قال الإمام الحسن (ع) في إحدى خطبه أمام معسكره: (أَلا وَإِنِّي نَاظِرٌ لَكُمْ خَيْراً مِنْ نَظَرِكُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَلا تُخَالِفُوا أَمْرِي وَلا تَرُدُّوا عَلَيَّ رَأْيِي). [4]

وقال الإمام الصادق (ع): (اعْلَمْ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (ع) لَمَّا طُعِنَ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَيْهِ سَلَّمَ الأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ الشِّيعَةُ عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا مُذِلَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ (ع) مَا أَنَا بِمُذِلِّ الْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنِّي مُعِزُّ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُكُمْ لَيْسَ بِكُمْ عَلَيْهِمْ قُوَّةٌ سَلَّمْتُ الأَمْرَ لأَبْقَى أَنَا وَأَنْتُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَمَا عَابَ الْعَالِمُ السَّفِينَةَ لِتَبْقَى لأَصْحَابِهَا وَكَذَلِكَ نَفْسِي وَأَنْتُمْ لِنَبْقَى بَيْنَهُمْ). [5]


ثانيا: تعرية أهل الضلال

يتلون أهل الضلال بألوان قد تنجذب إليها بعض النفوس، أو تنخدع بشبهاتها العامة من الناس بل ربما البعض من الخاصة أيضا وخصوصا إذا أحكمت فصولها بقشور الدين ونزعات الهوى وتمظهرت بالأعراف والتقاليد أو التجديد والتطوير.

قال تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ ... ﴿7﴾ سورة آل عمران.

والتصدي إلى الشبهات ودفعها بالدليل والبرهان من قبل الإمام وعدول المؤمنين ليس بكاف وحده لذا فهو بحاجة إلى العمل على كشف مصدر الشبهات وإصلاحها ومحيط تأثيرها ما أمكن إلى ذلك سبيلا، فإن لم يجدي نفعا فتعرية مصدر الفساد والمتأثرين به يمنع من امتدادها ويحصن الناس من الوقوع في شراكها، وربما ردع أربابها من التمادي في بث الأباطيل بين الناس.

وربما يقال أن مقارعة الحجة بالحجة أمر حميد مقبول، ولكن التعدي إلى تعرية الأشخاص مما لا يليق بأحد من العقلاء فضلا عن رجال العلم والفكر والثقافة.

وهذا صحيح إذا تعداه إلى التجريح بشخصه بما ليس فيه أما إذا كان توصيفا لحال واقع أو إبرازا لمفتن متستر فهو من الأمور الحميدة التي يقرها كل ذي لب سليم، وقد وقعت كثيرا في تاريخ الإنسانية وحضارات الأمم، مضافا إلى أن توصيف أصحاب الضلالات الواضحات بأصحاب الفكر هو أول الكلام.

والأهم في هذا الأمر هو أن الهدف من ذلك ليس المقارعة والصراع وليس الدنيا والجاه والسلطة وإنما الامتثال لأمر السماء وتحصين الأمة من الانحراف والانجراف في الضلالات، وهذا هو بعينه ما صدر من الإمام الحسن (ع) وقبله الإمام علي (ع) في مواجهتهما مع معاوية.

كتب أمير المؤمنين (ع) إلى معاوية رسالة قال فيها: وَأَرْدَيْتَ جِيلا مِنَ النَّاسِ كَثِيراً خَدَعْتَهُمْ بِغَيِّكَ وَأَلْقَيْتَهُمْ فِي مَوْجِ بَحْرِكَ تَغْشَاهُمُ الظُّلُمَاتُ وَتَتَلاطَمُ بِهِمُ الشُّبُهَاتُ فَجَازُوا عَنْ وِجْهَتِهِمْ وَنَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ وَتَوَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ وَعَوَّلُوا عَلَى أَحْسَابِهِمْ إِلا مَنْ فَاءَ مِنْ أَهْلِ الْبَصَائِرِ فَإِنَّهُمْ فَارَقُوكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِكَ وَهَرَبُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ مُوَازَرَتِكَ إِذْ حَمَلْتَهُمْ عَلَى الصَّعْبِ وَعَدَلْتَ بِهِمْ عَنِ الْقَصْدِ فَاتَّقِ اللَّهَ يَا مُعَاوِيَةُ فِي نَفْسِكَ وَجَاذِبِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ فَإِنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْكَ وَالآخِرَةَ قَرِيبَةٌ مِنْكَ). [6]

واستمرارا لذات النهج فقد كاتب الإمام الحسن معاوية غير مرة ناصحا ومبينا ولكن دون جدوى إلى أن انتهى الأمر بتشابك الأسنة ومنها إلى الصلح الذي أبان الدوافع الحقيقة لما قام به معاوية من تجييش الجيوش والتمرد على خليفتين (الإمامين علي والحسن) بويعا طوعا من أهل الحل والعقد ومن أبناء الأمة.

قال معاوية في أول خطاب له بعد التوقيع على معاهدة الصلح: أما بعد ذلكم، فانه لم تختلف أمة بعد نبيها، الا غلب باطلها حقها !! وانتبه معاوية لما وقع فيه. فقال: إلا ما كان من هذه الأمة، فان حقها غلب باطلها. [7]

يا أهل الكوفة، أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون؟ ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وألي رقابكم، وقد آتاني اللّه ذلك وانتم كارهون !. ألا إن كل دم أصيب في هذه الفتنة مطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدميّ هاتين !!. [8]


ثالثا: حل المشكلات وقضاء الحاجات

تُخترق الكثير من الشعوب والمجتمعات من حاجاتها، فالفقر والضيق والحاجة تزرع في النفوس الضعيفة القابلية للخضوع والتبعية من دون وجه حق، وربما دفعت صاحبها للتفتيش عمن يقضيها له وفي كثير من الأحيان ببيع دينه ولربما دنياه أيضا، كما يحصل في الدول الفقيرة أو تلك التي تعيش حالة من التردي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي نتيجة الاضطرابات والحروب.

قال تعالى: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ﴿3﴾ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴿4﴾ سورة قريش.

ولتحصين الأمة من الاختراقات والسير بها نحو الحياة الكريمة التي أرادها لها الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴿70﴾ عمل الإمام الحسن على قضاء حاجات الناس على اختلافها حتى الرسمية منها من دون منة تمن أو أجر يرتجى.

روى في المناقب أن أعرابيا جاء إلى الإمام الحسن، ومن دون أن يسأل الإمام (ع) حاجته، قال الإمام (ع): أعطوه ما في الخزانة، فوجد فيها عشرون ألف درهم، فدفعها إلى الأعرابي، فقال الأعرابي: يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي، فأنشأ الإمام الحسن ( ع ):

نحن أناس نوالنا خضل يرتع فيه الرجاء والأمل
تجود قبل السؤال أنفسنا خوفا على ماء وجه من يسل
لو علم البحر فضل نائلنا لغاض من بعد فيضه خجل[9]

وذكروا أنه أتاه رجل في حاجة فقال: اذهب فاكتب حاجتك في رقعة وارفعها إلينا نقضها لك، قال: فرفع إليه حاجته، فأضعفها له: فقال بعض جلسائه: ما كان أعظم بركة الرقعة عليه يا ابن رسول الله، فقال: بركتها علينا أعظم حين جعلنا للمعروف أهلا، أما علمت أن المعروف ما كان ابتدأ من غير مسألة، فأما من أعطيته بعد مسألة فإنما أعطيته بما بذلك لك من وجهه. [10]


رابعا: السلوك القدوة

الأنبياء والأوصياء والصالحون يقومون بدور الأنموذج الصحيح للقيم والمبادئ السماوية فهم الأسوة الحسنة لأبناء الأمة بل وللأمم والأجيال القادمة.

ولهذا الأنموذج دور أساس وفعال في توجيه الأمة نحو ما تدين وتعتقد به وتبعدها عن الخارج الذي لا يريد سوى تحقيق مصالحه الذاتية حاكما أو حكومة أو شعبا، ولعلك تجد أن الكثير من الأمم تخترق بالرمز القدوة والمثال فتبث ثقافتها وتحصل على أطماعها من خلاله، والرمز القدوة قد يكون نجما فنيا أو نجما رياضيا أو مفكرا أو سياسيا بل ربما يكون أمرا وهميا كما في أفلام الرسوم المتحركة.

ونظرا لخطورة هذا الأمر اعتبر القرآن الكريم الطبقة العليا في رسالاته (الأنبياء والأوصياء وحوارييهم) هم من يمثلون الرمز القدوة والأنموذج وحث تابعيه على ضرورة التأسي بهم.

قال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴿4﴾سورة الممتحنة.

قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴿21﴾ سورة الأحزاب.

وسلوكهم المترجم لتلك التعاليم لا يدخل في قائمة البرتوكولات التي يراد منه المجاملة وإحداث الرضا للناس على غرار العاملين في مجال التسويق، ولا هو ببعث النفس وقسرها على ما تكره، وليس الباعث لهذا السلوك الأمن من العقاب والطمع في الثواب، وإنما هو الامتثال لما هو أهلا لذلك.

والإمام الحسن (ع) كان الممتثل لأمر الله العامل للحفاظ على عباد الله فمن كان في حصنه نجا من استحواذ شياطين الإنس والجن وشراكهم وأتباعهم والسائرين معهم نحو الهاوية.
روي أن شاميا رأى الإمام الحسن (ع) راكبا فجعل يلعنه، والحسن (ع) لا يرد، فلما فرغ أقبل الحسن (ع) فسلم عليه وضحك، فقال: أيها الشيخ أظنك غريبا، ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعا أشبعناك، وإن كنت عريانا كسوناك، وإن كنت محتاجا أغنيناك، وإن كنت طريدا آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك لأن لنا موضعا رحبا وجاها عريضا ومالا كثيرا . فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي، والآن أنت أحب خلق الله إلي، وحول رحله إليه وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقدا لمحبتهم . [11]


_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏33، ص 91.
[2] راجع بحار الأنوار، ج‏43، ص 242 وغيره.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏28، ص 40.
[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏44، ص 47.
[5] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏75، ص 288.
[6] نهج البلاغة ص 406.
[7] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 192.
[8] الشيخ راضي آل ياسين، صلح الحسن، ص 285.
[9] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 182.
[10] السيد المرعشي، شرح إحقاق الحق، ج 11 ص 147.
[11] الشيخ عباس القمي، الأنوار البهية ص 89.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الإمام الحسن وتحصين الأمة، العلامة الحبيب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتديات العامة ::  المنتدى الديني-
انتقل الى: